طغاة بلادي : (1) العسكر

مقدمة ..

وكلُّ شيءٍ جاوز القَدْرَ فقد طَغَى كما طَغَى الماءُ على قومِ نوحٍ، وكما طَغَتِ الصيحةُ على ثمودَ. – لسان العرب

فالطغاة ليسو أفرادا وحسب، قد يكونوا جماعات أو مؤسسات أو افكارا أو حتى مشاعر!

قد يظن البعض بزوال الطغيان إذا زال الطغاة، لكنهم واهمون، فالطغيان عقيدة لا تزول بزوال معتقديها، وانما تبحث عمن يعتنقونها لتصنع منهم طغاة جدد

والطغيان لا يرتبط بمنصب أو كرسي، فطغاة الكراسي هم فقط أحد انواع الطغاة وفي حقيقة الأمر أسهل الطغاة إسقاطا، لانك تراهم وتعرفهم وتدرك كيف تحاربهم. النوع الاخطر هم أصحاب الطغيان المستتر

فلنرفع الأقنعة، ولنحتف بطغاة بلادي، وبالعسكر نبدأ.

من السذاجة أن نقول بأن العسكر يحكمون منذ 11 فبراير، فهم لم يغادروا سدة الحكم اصلا منذ أكثر من 50 عاما! جميع رؤساء الجمهورية المصرية كانوا من العسكر. الرئيس في نظام ما بعد 54 هو رئيس كل شيء، هو إله لا منازع له، لكن الأهم من ذلك أنه كان دوما القائد الأعلى للقوات المسلحة. الجيش في بلادي مؤسسة بلا حدود، تمتلك الأراضي والشركات و المستشفيات و المراكز، وفوق كل ذلك العمالة الرخيصة من التجنيد الإجباري. لكن العسكر لم يكتفوا بذلك، وتوغلوا  في كل مجالات الحياة في مصر، فصاروا وزراء، محافظين وحتى رؤساء لمجالس إدارات شركات!

على الرغم من ذلك،  فمعظم المصريين ،لأسباب كثيرة جلها عاطفي، يعشقون الجيش ولا يرون حرجا في توغله هذا. أو على الأقل هذا ما يبدو للناظرين.

إذا ماذا تغير في فبراير الماضي؟
كان الجيش في موضع إختيار بين قائده الأعلى و الشعب، وقد إختار الشعب إما عن إنحياز أخلاقي أو حساب قوى، لا يهم الآن فليس بيدنا أن نطلع على النوايا، لكن بوسعنا أن نقرأ الأحداث.  الجيش لازال يحكم كما كان دائما، لكن أشياء تغيرت في الحاكم والمحكوم وما بينهما. ما تغير في الحاكم أنه خلع البزة المدنية، وأصبح يمارس الحكم و يعاقر السلطة بكل اشكالها تشريعية و تنفيذية و قضائية ، مرتدياً الافرول بالكامل. أما عن المحكوم فقد أقلع عن الخوف الذي أدمنه لعقود، وأصبح يدرك أن له حقوقا وأن أولها حق الاعتراض، ذلك الحق الذي يتنافى مع أعراف العسكر التي تؤمن بالطاعة العمياء سبيلا وحيدا للتعامل.

حتى حينما جرب العسكر طريق الإستفتاء وسؤال الشعب، أساءوا طرح السؤال، إبتداء باختيار لجنة لا ندري حتى الآن معايير الانضمام إليها، ومرورا بالتعجل وضيق الوقت المطروح للمناقشة، حتى صيغة الاستفتاء نفسه، كل ذلك كان معيبا. لكن الأخطر من ذلك، كان تفسير جواب الشعب على أنه تفويض مطلق.

كما أسلفنا، فلن نفتش في النوايا ولن نطرح الآن تساؤلات حول مدى جدية العسكر في تسليم الحكم للمدنيين، لكننا سنتحدث عن الوضع الراهن. الجيش يحكم. انتقاليا أو أبديا لا يهم، المهم أنه يحكم وبالتالي فهو عرضة للنقد. لا نشكك أبداً في وطنية الجيش، وله منا كل تقدير وتقديس طالما يقوم بدوره الأساسي وهو حماية اراضينا. أما في شؤون الحكم، فالقدسية مرفوعة ولا محل لها، والنقد كله مباح ولا أحد فوقه. فعلى المجلس الأعلى للعسكر أن يتفهم ذلك جيدا، وأن يدرك أن شيئا ما قد تغير في سكان المحروسة.

14 thoughts on “طغاة بلادي : (1) العسكر

  1. يا صباح الفل :كما عهدتك دائما تمتلك الكلمة وتصيغ الفكرة فتكتب ككاتب محترف تجعلني اقف عند الصياغة متاملا، لو انا جلسنا سويا لإدعية انها فكرتي ولكن هيهات هيهات فالصياغة والكلامات لبساطتها وحلواتها هي هي كلماتك تجعلني انحني تواضعا ، مقالة ممتازة يا أحمد ، كنت قد عقدة العزم علي دور العسكر في افساد الحياة السياسية سارسلها اليك حينما انتهي منها
    تحياتي من بلاد” الضباب”

  2. لا يمكن حكم من هو من امثالكم الا بالحديد والنار لانكم فعلا فراعنة ولا اريد ان ازيد لانننى اذا زدت سوف اسمعك مالا ترضى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  3. أكثر من رائعة.. كالعادة عبرت عن كل اللى جوايا و أكتر من اللى جوايا كمان.. لنا الله..

  4. كلامك مظبوط… وهارد على تساؤلك ليه الناس بتعشق الجيش…. السبب ببساطة هو كرههم الشديد للشرطة… رجل الشرطة كان يمثل للشعب المصري كل معاني التجبر والافترا والسلطة المطلقة… سعادة الباشا ظابط الشرطة كان بيبقى راكب البوكس زي الملك، والشارع كله تحت امره… او راكب عربيته الملاكي ومفيم الازاز، وشايل النمر والشارع برضه تحت امره…. بينما ظابط الجيش بيبقى معلق نسر، وشايل شنطة سامسونيت قديمة، وراكب جنبك مترو الانفاق في الزحمة

    الي زاد وغطى… لما الثورة قامت والشرطة انهارت وانتشرت اخبار البلطجية… الكل كان مستني ان الجيش ييجي يحميهم… وفضلوا يقولوا لبعضهم الجيش جاي الجيش جاي… فكان الجيش هو المخلص والسند

    أضيف لكل ذلك، الرغبة الدفينة في داخل الشعب المصري لعبادة الاصنام… لازم يعملوا صنم ويعبدوه… ولو اتهد، هايتفوا عليه ويعملوا تمثال جديد

    كمل محاولاتك انت والي زيك… يمكن نفهم اننا كلنا تحت النقد

  5. Pingback: مجموعة تدوينات هامة بخصوص 27 مايو .. ج1 | الثوار

  6. Pingback: يوم المدونين ضد المجلس العسكرى Bloggers Day Against SCAF | justanegyptian

  7. واحد من أروع المقالات التي قرأتها في هذا الموضوع!
    للأسف هناك خرافة شائعة بأن المجلس العسكري هو حامي الثورة! مروجي هذه الخرافة يستندون إلى أن الجيش لم يطلق النار على المتظاهرين أيام الثورة! وبعضهم يملك من التبجح ما يكفيه لأن يعاير المصريين بحقهم الأصيل في ولاء مؤسسته العسكرية له التي هي منه وهو منها صارخين في وجوهننا.. انظروا ماذا يفعل الجيش في بلاد كاليمن أو ليبيا أو سوريا!! اسجدوا لله وللمجلس الموقر شكراً لأنه لم يفتح النار عليكم كما تفعل باقي الجيوش الأخرى!! يقولون هذا الكلام وكأن حماية الجيش وولائه للشعب المصري هي عبارة عن “خدمة” ينبغي أن نشكره عليها وليس واجباً مفروضاً من الله قبل أن يفرضه عليه إنتمائه لوطنه!

Leave a comment